على مدار أكثر من قرن من الزمان، ظل نادي الزمالك واحدًا من أعمدة كرة القدم في مصر والعالم العربي.
ليس فقط لأنه نادٍ عريق، بل لأنه يحمل روحًا فريدة من نوعها.
إنه النادي الذي وُلد من قلب القاهرة، وواجه كل أنواع التحديات، لكنه في كل مرة ينهض، ويعود بقوة، وكأن الكرة لا تعرف الجمال إلا حينما تلامس أقدام لاعبيه.
من البدايات الأرستقراطية في أوائل القرن العشرين، مرورًا بسنوات المجد، والبطولات القارية، والنجوم الكبار، حتى يومنا هذا، يظل الزمالك أكثر من مجرد فريق كرة قدم.
إنه قصة... مدرسة... وجمهور يصنع الفارق في كل لحظة.
النشأة والهوية البيضاء
بدأت القصة عام 1911، عندما أسس المحامي البلجيكي جورج مرزباخ ناديًا اجتماعيًا ورياضيًا تحت اسم "قصر النيل"، ليكون ملتقى للطبقة الراقية والبعثات الأجنبية.
لكن سرعان ما تحوّل هذا النادي إلى واحد من أقوى الكيانات الرياضية في البلاد، خاصة بعد أن أصبح اسمه "المختلط"، ثم "فاروق"، وأخيرًا "الزمالك" بعد ثورة يوليو.
الزمالك تميّز منذ تأسيسه بأنه نادي التنوع والانفتاح، ضم في صفوفه لاعبين من خلفيات متعددة، وشجع الفن في اللعب، قبل أن يشتهر بلقب "مدرسة الفن والهندسة" الذي صار علامة تجارية لكرة القدم الجميلة في مصر.
هوية الزمالك تجسدت في اللون الأبيض، النقي، ذو الخطين الحمر، رمزي القوة والشموخ. وعلى مدار العقود، أصبح هذا القميص يحمل معه قيمة تتجاوز الرياضة، فهو شعارٌ للانتماء، والكرامة، والكفاح الشريف.
صعود البطولات المحلية
رغم أن الزمالك لم يكن النادي الأول في مصر من حيث البطولات، إلا أن تاريخه حافل بلحظات مجد محلية لا تُنسى.
حقق الفريق بطولة الدوري المصري 14 مرة، وفاز بكأس مصر في أكثر من 25 مناسبة، وكان دومًا خصمًا شرسًا في كل موسم، حتى في أوقات التراجع.
ما يميز الزمالك في مشواره المحلي هو قدرته على العودة. حتى حين يظن الجميع أن النادي قد تراجع، فإنه يفاجئ الجميع بلقب ثمين أو موسم استثنائي يعيد به الهيبة ويشعل قلوب الجماهير من جديد.
وهناك سنوات تاريخية لا تُنسى، مثل موسم 2003 عندما قدّم الفريق أداءً استثنائيًا توّجه بلقب الدوري والكأس، أو موسم 2020-2021 حين استطاع خطف لقب الدوري في أصعب الظروف.
المجد القاري: الزمالك ملك إفريقيا المتوج
الزمالك لم يكن مجرد نادٍ محلي، بل حجز لنفسه مكانًا خاصًا في تاريخ الكرة الإفريقية.
تُوّج بدوري أبطال إفريقيا خمس مرات، في مشوار امتد من السبعينات إلى مطلع الألفية، قبل أن يعود من جديد ليحصد الكونفدرالية الإفريقية عام 2019، ثم السوبر الإفريقي في 2020 بطريقة درامية أمام الترجي التونسي.
الزمالك عرف كيف ينافس في إفريقيا، بأسلوب لعب ممتع، وبروح جماعية عالية، وبنجوم كتبوا أسماءهم بحروف من ذهب في الذاكرة القارية.
وفي كل مرة كان الزمالك يخرج فيها إلى أدغال إفريقيا، كان يعود بشيء… إما بطولة، أو درس يعزّز من صلابته.
أساطير صنعت التاريخ
تاريخ الزمالك لا يُكتب بدون الحديث عن النجوم الذين صنعوا مجده.
منذ جيل الستينات والسبعينات، مرّ بالنادي لاعبون تركوا أثرًا لا يُمحى.
من حسن شحاتة الذي كان يُعتبر مهندس خط الهجوم، إلى فاروق جعفر الذي لُقّب بـ"أمير الكرة"، إلى حمادة إمام صاحب اللمسة الذهبية، ثم إلى جيل حازم إمام وشيكابالا الذي أعاد للسحر رونقه.
كل جيل من هؤلاء كان يحمل الروح الزملكاوية بكل تفاصيلها: المهارة، الكرامة، واللعب النظيف.
وكان كل منهم رمزًا في فترته، يُعلّم الأجيال معنى الانتماء واللعب بشرف.
الجماهير: عشق لا يُقاس
لا يمكن الحديث عن الزمالك دون التوقف طويلًا عند جمهوره.
هو جمهور لا يُقارن… جمهور يعشق بكل جوارحه، ويقف خلف الفريق في السراء والضراء.
مهما تبدّلت الظروف، أو غابت البطولات، تظل مدرجات الزمالك تهتف: "يا زمالك يا مدرسة… لعب وفن وهندسة".
هذا الجمهور كان شاهدًا على لحظات تاريخية عظيمة، وكان أيضًا يدًا ممدودة في أوقات الشدة.
ومن خلاله، ظل النادي شامخًا حتى في أضعف حالاته، لأنه يعرف أن له ظهيرًا جماهيريًا لا يُهزم.
التحديات المستمرة والعودة الدائمة
مر الزمالك بفترات صعبة، من عدم استقرار إداري، إلى خلافات داخلية، إلى غيابات مؤثرة، وإيقافات، وربما حتى قرارات ظالمة.
لكن في كل مرة، كانت جماهير الكرة تشهد على شيء مميز: الزمالك لا يموت.
قد يتأخر… لكنه لا يغيب.
قد يضعف… لكنه لا يسقط.
هو كيان قائم على فكرة الكفاح، والاستمرارية، والعزيمة التي لا تنكسر مهما اشتدت الظروف.
الزمالك اليوم... ومستقبل واعد
في السنوات الأخيرة، عاد الزمالك بقوة ليحجز مقعده الطبيعي بين الكبار.
حقق بطولات محلية، ونافس إفريقيًا، وظهر جيل جديد من اللاعبين الواعدين الذين يمثلون أمل الجماهير البيضاء.
أسماء مثل أحمد سيد زيزو، حسام عبد المجيد، سيف الجزيري ، وغيرهم، يعكسون روحًا جديدة تبني على المجد القديم وتضيف له صفحات جديدة من التحدي والطموح.
الزمالك هو أكثر من نادٍ.
هو ذاكرة وطن كروي، مدرسة خرجت منها أعظم النجوم، وقلعة بيضاء صمدت في وجه كل العواصف.
هو نادٍ يمتلك كل مقومات العظمة: التاريخ، الجمهور، الهوية، والرسالة.
وفي كل مرة يهتف الجمهور باسم الزمالك، فإنهم لا يشجعون مجرد فريق… بل يحتفلون بحكاية عشق، ومجد، وروح